فى قلب الطبيعة الساحرة بالصحراء الشرقية بالبحر الأحمر، حيث تتلاقى الرياح والأمواج مع الرمال، كانت منازل أهل الجنوب تنبثق من مواد بسيطة ولكنها تعكس تراثاً عريقاً، طوّعه الإنسان وفقاً لاحتياجاته وظروفه.
فى مدن جنوب البحر الأحمر، وخاصة القصير ومرسى علم وحلايب وشلاتين، كانت الحياة تتمحور حول مهنتى صيد الأسماك ورعى الأغنام والإبل فى المراعى الواسعة، ما جعل التنقل جزءاً أساسياً من حياة السكان، خصوصاً الرعاة الذين كانوا يعتمدون على التنقل بحثاً عن المراعى.
المنازل القديمة وخاصة القريبة من البحر فى تلك المناطق تتنوع وفقاً لاستخداماتها وظروفها، ففى حالة التنقل، كانت المنازل تُصنع من “البرش”، الذى يتكون من سعف النخيل والدوم، ويتم تبطينها بالصوف أو بقايا الأقمشة القديمة، وكان هذا هو المسكن المؤقت الذى يُستخدم أثناء موسم الرعى أو الصيد، خاصة فى فصل الشتاء، لكن المنزل الثابت والمستقر كان مختلفاً، وهو ما كان يُطلق عليه “الصندقة”.
من جانبه وصف علاء أبو الحسن، أحد أبناء قبيلة العبابدة أن الصندقة كانت تمثل المسكن الدائم للسكان فى تلك المناطق، وكانت تبنى باستخدام الأخشاب التى تُقذفها أمواج البحر، والمعروفة بـ”الصابي” أو “الشيت”، هذه الأخشاب كانت تُجمع بواسطة المحترفين فى مهنة جمع ما يلقيه البحر من مواد، وتُباع فى المزادات، ليشتريها من يرغب فى بناء منزله.
وأضاف الشاب علاء أبو الحسن، أن أهل الجنوب، خاصة فى مدن الشلاتين وأبو رماد وحلايب، ومرسى علم كانوا يبنون منازلهم باستخدام الخشب الأبيض المستورد المعروف بـ”الموسكي”، لكن استخدام الخشب المحلى كان شائعاً فى المناطق الأخرى، وقد ازداد استخدام الأخشاب الحُبَيبية فى السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد تطور سوق الشلاتين.
أما عن تصميم الصندقة، وصف محمد زين ابن مدينة الشلاتين أن السقف يأخذ شكل مثلث لتقليل تساقط مياه الأمطار، وللتقليل من حرارة الصيف بفضل ارتفاع السقف، وكان العديد من المنازل يتضمن أيضاً “برندا” أمامية مفتوحة من الجوانب أو مغلقة جزئياً، فى حين كانت بعض المنازل تحاط ببرندا مغلقة من الجانبين الشرقى والشمالى، وتُسمى “الدوران”، أما الموقع، فقد كان المنزل يتجه غالباً نحو الشرق لاستقبال شمس الصباح، أو نحو القبلة.
وأضاف محمد زين، ورغم أن الكثير من المنازل الحديثة قد بنيت من الأسمنت والطوب والحديد، فإن العديد من هذه المنازل الخشبية ما زالت قائمة حتى اليوم، محافظة على طابعها التقليدى، ولا تقتصر جماليات المنطقة على المنازل فقط، بل تشمل أيضاً طبيعة ساحرة تمتد عبر الصحراء الشرقية، التى تحد من الغرب ساحل البحر الأحمر.
ووصف أن تلك المنطقة ستظل تحمل فى طياتها إرثاً ثقافياً ومعمارياً يعكس قدرة الإنسان على التكيف مع بيئته، مهما كانت قسوتها، كذلك تتميز هذه المنطقة، خاصة فى حلايب وشلاتين، بأودية جبلية خلابة، مثل وادى هيبا الذى يقع فى محمية علبة.
جانب من منازل الخشب القديمة
سقفها عبارة عن مثلث،لعدم حفظ مياه الامطار
كانت اغلب المنازل فى حلايب. شلاتين كذلك
كانت تصنع بالقرب من شاطئ البحر
منازل الجنوب قديما
منازل الصندقة جنوب البحر الأحمر
يتم انشائها من الأخشاب الملقى بها البحر