الاحتلال يمحو تاريخ لبنان.. وزير الثقافة اللبنانى فى حوار لـ”اليوم السابع”: إسرائيل تعمدت قصف معالم أثرية غير مكتشفة بعد.. ونُعد شكوى قانونية بشأن الاعتداءات على المواقع التراثية المشمولة بقرار الحماية المعززة

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!










 



في إطلالة سريعة على مدينة صور اللبنانية، وهى أحد أشهر وأهم المدن التاريخية في العالم، لما تحويه من عدد مواقع أثرية كثيرة وتاريخية، نجد أنفسنا أمام مدينة يعود تاريخها للعصر الذهبي في القرن العاشر قبل الميلاد – بينما بعض المؤرخين يؤكدون أن تاريخها يعود لأكثر من 5 آلاف عام – عندما كانت تحت حكم الملك حيرام الأول، الذي وسعها مما يجعلها رابع أكبر مدينة لبنانية، كما أن اسم تلك المدينة التاريخية اشتق من الجذر الفينيقي “صر”، الذي يعني “الصخرة”، وفي إشارة إلى الصخرة التي بنيت عليها المدينة، وكانت هذه المدينة قبل الميلاد واحدة من أهم حضارات العالم في العهد الفينيقي.


اقرأ أيضا:


بعد عامين من الشغور.. برلمان لبنان يعلن جوزيف عون الرئيس الـ14 بـ99 صوتا.. عون: اليوم بدأت مرحلة جديدة من تاريخ البلاد.. إجراء استشارات بأسرع وقت لاختيار رئيس للحكومة.. وقصر بعبدا يستعد بالسجاد الأحمر لاستقباله




في العام 1979 أدرجت منظمة اليونسكو، مدينة “صور” على لائحة مواقع التراث العالمي، نظرًا لما تحتويه من آثار تاريخية، خاصة أن جزء من الموقع الذي كانت تقوم عليه المدينة مبني على جزيرة قبل أن يقوم الإسكندر المقدوني بردم البحر ووصلها بالبر المقابل، كما أن المدينة البحرية تعود بمجملها إلى العصور الرومانية والبيزنطية، بجانب بقايا أرصفة المرفأ الفينيقي الجنوبي، وكذلك بقايا كاتدرائية صور الصليبية التي استخدمت في عمارتها أعمدة من الجرانيت الأحمر وأحجار تم استخراجها من المنشآت الرومانية.


وأحد أبرز معالم مدينة صور التاريخية، موقع البص، الذي يتألف من شارع رئيسي أقيم في العصر الروماني، وجرى ترميمه في العصر البيزنطي، في وسط البرزخ الذي أنشأه الاسكندر الكبير، وإحاطته بأروقة، وقوس نصر عظيم، بالإضافة إلى مدافن واسعة تتداخل فيها العمائر الجنائزية والتوابيت الرخامية والكلسية والبازالتية ذات الأشكال والزخارف والمنحوتات المختلفة استخدمت من القرن الثاني إلى القرن السادس الميلادي.


ليس هذا وفقط، بل هناك الأسواق القديمة، ومرفأ الصيد القديم الذي حل مكان المرفأ الفينيقي الشمالي، بجانب برج أثري في محيط ساحة جنبلاط بالمدينة يدعى “برج الجزائريين”، والذي بُني في الفترة الممتدة بين القرنين 12 و 13 الميلادي، بجانب طبقات اثرية تعود إلى عصور أكثر قدمًا ومنها قناة للمياه.


مدينة صور خلال قصف الاحتلال لها


اقرأ أيضا:


أستاذ اقتصاد سياسى: إسرائيل ترغب فى هدنة “هشة” فى لبنان


هذه السطور السابقة، مقدمة لما سنتحدث عنه خلال حوارنا مع وزير الثقافة اللبناني، الدكتور محمد مرتضى، حول آثار العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان وتدميره للعديد من الآثار، خاصة في مدينة صور التي حولتها إسرائيل إلى مدينة أشباح بكل معنى الكلمة، حيث انتشار أنقاض المنازل، ونزوح آلاف السكان من المدينة التي كانت أحد أهم مدن جنوب لبنان، من بينها استهداف قلعة شمع والتي بُنيت في عام 1116، وتقع على سلسلة من الجبال التي تنتهي برأس البيّاضة في أقصى الجنوب، تستمد اسمها من مقام النبي شمعون.


في 4 نوفمبر، وقبل انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان، وجه وزير الثقافة رسالة إلى المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو أودري أزولاي، يشيد فيها بدعوة المنظمة الأممية، إسرائيل إلى الالتزام في عدم المس بالمعالم الأثرية في لبنان، باعتبارها إرثًا للإنسانية جمعاء، ومطالبا إياها بالاستمرار في بذل مساع حثيثة لدى الدول الفاعلة كي تتخذ جميع  التدابير لمنع استهداف التراث، واحترام الحد الأدنى من أحكام القانون الدولي المتعلق بحماية الثروة الثقافية الإنسانية، خاصة لما يعرف عن الاحتلال من استهتار بكل القيم والقوانين الدولية.


إلا أنه بعدها بيومين، وبالتحديد، في 6 نوفمبر الماضي، أرسل وزير الثقافة اللبناني، رسالة جديدة إلى المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو ، يكشف فيها عن حجم الدمار الذي لحق بآثار لبنان، ومعربا عن حزنه وغضبه تجاه تعرض التراث الثقافي العريق لاعتداء ضخم من قبل طائرات إسرائيل، خاصة مع استهداف مبنى “المنشية” التاريخي في بعلبك، الذي يعود إلى الحقبة العثمانية ويحمل في طياته قرونا من التاريخ والثقافة، وشاهدا حيا على تراث بيروت الثقافي المشترك، خاصة أنه مسجلا ضمن التراث العالمي اليونسكو، مما يجعل خسارته لا تعوض، للتراث الإنساني ككل.


خلال حوارنا مع الوزير محمد وسام مرتضى، تحدثنا عن أبرز الاستهدافات الإسرائيلية للمناطق التراثية اللبنانية خلال العدوان الأخير، والأضرار الآثرية التي لحققت ببيروت جراء الاستهدافات الضخمة ومحاولات الاجتياح البري، والتواصل الدولى من جانب الوزارة مع لحماية التراث، والإجراءات القانونية المتخذة لمحابة إسرائيل على انتهاكها للقانون الدولي واستهداف مناطق تاريخية مسجلة لدى التراث العالمى وغيرها من القضايا والموضوعات في الحوار التالي..

143
الدكتور محمد وسام مرتضى وزير الثقافة اللبناني


كيف ترى قصف الاحتلال مدن تاريخية في جنوب لبنان مثل مدينة صور؟


القصف الإسرائيلي خلال عدوانهم الأخير على لبنان طال بشكل كثيف العديد من المدن التاريخية في جنوب لبنان خاصة في البقاع، حيث تم استهداف مدينة صور بشكل عنيف.


ما هي أبرز المناطق الآثرية التي استهدفها الاحتلال في لبنان خلال عدوانه الأخير؟


الاحتلال قصف الكورنيش البحري والمدينة التاريخية الممتدة بين موقعي البص والمدينة المصنفين على لائحة التراث العالمي عدة مرات وطالت الاعتداءات الأخيرة مناطق قريبة جداً من الموقع الأثري.


ما هو أثر هذه الاستهدافات الآثرية على الآثار اللبنانية المتواجدة في جنوب البلاد؟


هذه الاعتداءات الإسرائيلية قد يكون لها أثر كبير على المعالم الأثرية وعلى أساساتها، كما أن عمليات القصف هذه من شأنها تدمير الإرث الثقافي، وبالتالي جزء من تاريخنا وهويتنا، كما أن الاعتداءات على مدينة صور تمت بشكل متاخم للموقع الأثري بالإضافة إلى القصف على المنطقة الموجودة بين موقعي البص والمدينة وهي منطقة تحتوي على معالم أثرية غير مكتشفة بعد، وتدميرها هو محو لجزء كبير من تاريخنا قبل أن تسنح لنا الفرصة باكتشافه.

wazir-2-800x549


وزير الثقافة اللبناني


 


هل تم حصر الأماكن التراثية التي دمرت بسبب عدوان إسرائيل الأخير؟


منذ بداية الحرب تعمد الاحتلال استهداف المواقع الثقافية، كقلعة تبنين، وقلعة شمع وسوق النبطية التاريخي والعديد من القرى التاريخية والتي تم مسحها بشكل كلي، بالإضافة إلى استهداف المعالم الدينية من جوامع وكنائس، أما بالنسبة إلى تقدير الضرر المباشر على المواقع الآثرية، فإن هذا الأمر يتطلب الكشف بشكل دقيق للتمكن من تحديد الأضرار والتي قد تكون أثرت على أساسات المعالم الآثرية.


هل سجلتم محاولات من جانب الاحتلال لتغيير بعض المعالم الآثرية اللبنانية؟


العدو الإسرائيلي وصل إلى موقع قلعة شمع واحتلها وكان برفقته أحد علماء الأثار الذي كان يحاول تغيير الحقائق التاريخية خاصة بعد الاعتداءات التي طالت قلعة شمع وأدت إلى تدمير أجزاء منها، والمسح العلمي الذي سيتم بعد الحرب سيبين حجم الأضرار بشكل دقيق أكثر.


ما هي أهداف إسرائيل من تعمد استهداف التراث اللبناني؟


كما سبق وقلنا أن الاعتداءات الإسرائيلية تستهدف المواقع الثقافية بما تشمله من معالم أثرية ودينية وأسواق تاريخية ومدن وقرى تراثية وهذا الأمر له أهداف كثيرة كمحو ذاكرة شعب وهويته وتجذر الناس في أرضها، ومحو ثقافة شعب من جميع الأديان متعايش في هذه الأرض منذ آلاف السنين فيقوم العدو عن سابق تصور وتصميم بهدم القرى التاريخية ومحيطها الطبيعي كحقول الزيتون والخروب والعنب والتين بهدف محو المحيط الثقافي في لبنان، وكما ذكرنا فإن الاعتداءات لا تكتفي بتدمير ما هو معروف بل أيضاً المعالم غير المعروفة والتي لم يتم اكتشافها بعد، فتعمد إلى تفجير قرى بأكملها.


ما خطورة هدم الاحتلال مدن لبنانية يتوقع تواجد آثار لم يتم الكشف عنها بعد؟


بالإضافة إلى الاجرام الذي تمارسه آلة القتل تجاه المجتمع اللبناني  بكافة أطيافه دون تمييز بين الاطفال والنساء خصوصا في مناطق الجنوب والبقاع، يقوم أيضا هذا العدو عن سابق إصرار وتصميم بالاعتداء على الموروث الثقافي بشكل كامل بهدف محو هوية وجودنا منذ آلاف السنين في هذه الأرض، والاعتداء على المواقع التاريخية التي يتوقع تواجد فيها أثار لم يتم الكشف عنها بعد يهدف إلى تدميرها خاصة أنها معالم غير مكتشفة وغير موثقة أو معروفة، وهذا الأمر خطير للغاية.

mohamad-mortada
الدكتور محمد وسام مرتضى


هل يخالف استهداف الاحتلال لمناطق الآثرية القانون الدولي؟


بالطبع، حيث إن الاعتداء على المواقع الثقافية مخالف للاتفاقيات الدولية ، وخاصة قرار لجنة اتفاقية لاهاي 1954 وبروتوكولاتها في منظمة اليونسكو الصادر في 18 نوفمبر والقاضي بوضع 34 موقع آثري في لبنان تحت الحماية المعززة.


هل خاطبت الوزارة منظمة اليونسكو لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية؟


منذ بداية الاعتداءات وجهت وزارة الثقافة اللبنانية كتباً بشكل دوري وشبه يومي إلى منظمة اليونسكو حول الخطر الذي يتهدد التراث الثقافي في لبنان.


ما هي الرسائل التي وجهتها الوزارة لمنظمة اليونسكو لمنع تلك الاعتداءات الإسرائيلية على التراث اللبناني؟


لجأت وزارة الثقافة إلى المجتمع الدولي تحديدا اليونسكو طالبة حماية الموروث الثقافي اللبناني، حيث تم إدراج 34 موقعا أثريا على لائحة الحماية المعززة لاتفاقية لاهاي 1954 والبروتوكول الثاني 1999 والذي يسمح بحماية هذه المواقع أثناء النزاع المسلح.


هل هناك تواصل مع منظمات دولية أخرى بجانب اليونسكو لمنع أي هدم للاحتلال لمناطق آثرية في لبنان؟


لقد تم اللجوء إلى المجتمع الدولي بهدف حماية مواقع ثقافية في لبنان وذلك وفقا لاتفاقية لاهاي 1954 وبروتوكولاتها، خاصة أن لبنان وهو من الأعضاء المؤسسين لمنظمة اليونسكو، وانضم إلى أغلب الاتفاقيات الدولية التي تحمي الممتلكات الثقافية، يؤمن بالوسائل القانونية ولهذا فقد لجأ الى هذا الأسلوب لحماية إرثه الثقافي من التدمير ومن آلة الحرب الهمجية.


الاحتلال خلال عدوانه على غزة وفلسطين تعمد استهداف مناطق آثرية كثيرة.. هل تتوقع أن يواصل الاحتلال سياسة التصعيد في لبنان لهدم ما يخص التراث اللبناني حال تجدد قصفه وعدم التزامه باتفاق وقف إطلاق النار؟


العدوان الإسرائيلي يتعمد في كل مرة خلال قصف استهداف المناطق الأثرية وذلك بشكل مقصود ومتعمد وذلك لاستهداف هوية وتجذر الشعب في ارضه، ويدمر قرى تراثية بأكملها، بالإضافة إلى معالم دينية في عدة قرى، بالإضافة إلى احتلال قلاع أثرية كقلعة شمع وقلعة شقرا ومن ثم الانسحاب منها.


كيف تسعى الوزارة لحماية التراث اللبناني من أي عدوان؟


سبق وتحدثنا عن الخطوات التي اتخذناها بالنسبة إلى تحصين 34 موقع ثقافي بالحماية المعززة بالإضافة إلى وضع شارة الدرع الأزرق على العديد من المواقع في لبنان لحمايتها، كما أن وزارة الثقافة ستقوم بتحديث وتطوير قوانينها بالإضافة إلى إعداد خطط الطوارئ لتحصين حماية تراثنا.


هل ستسعى الوزارة للجوء لمحاكم دولية حال إصرار الاحتلال على مواصلة سياسته في استهداف التراث اللبناني؟


ستقوم الوزارة باللجوء إلى كافة السبل القانونية المتاحة لحماية إرثنا الثقافي والتاريخي، وهي بصدد إعداد شكوى بخصوص الاعتداءات التي طالت المواقع الآثرية المشمولة بقرار الحماية المعززة.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً