بعد هزيمته فى الشرق الأوسط، يعاود تنظيم “داعش” الظهور فى أفريقيا، إذ يكشف خبراء أمنيون أن تنظيم داعش يستغل قضايا مثل تحديات الحكم وعدم الاستقرار السياسي وضعف المؤسسات في أفريقيا جنوب الصحراء، بشكل خاص للظهور وتحقيق مكاسب إقليمية في مناطق مختلفة في القارة.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، شن مسلحون من تنظيم في غرب أفريقيا وجماعة بوكو حرام، المرتبطين بالتنظيم، غارة قبل الفجر على قاعدة عسكرية في ولاية برونو بشمال نيجيريا، مما أسفر عن مقتل ستة جنود.
وقال بيان للجيش النيجيري إن عددا غير محدد من إرهابيي تنظيم داعش في غرب إفريقيا، جماعة “بوكو حرام” يستقلون دراجات نارية وشاحنات مسلحة اشتبكوا مع القوات المنتشرة في قرية سابون جاري في تبادل لإطلاق النار، ردا على مقتل قائدهم ومقاتليهم مؤخرا على يد قوات الجيش، وفقا لموقع “أفريكا ريبورت”.
في ليلة رأس السنة الجديدة، أعلنت قوات الأمن في الصومال أنها صدت هجوما شنه انتحاريون من تنظيم داعش على قاعدة عسكرية في منطقة بونتلاند في شمال شرق البلاد.
وجاء ذلك بعد عشرة أيام فقط من قيام قوات التحالف الديمقراطي المرتبطة بتنظيم داعش بقتل 21 شخصا على الأقل في المنطقة الشرقية الممزقة بالصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية .
وفي مالي، ورغم انخفاض العنف مقارنة بحجم وتواتر هجمات القاعدة، تقول المحللة الأمنية بيفرلي أوتشينج إن داعش نجح في الحفاظ على حصار دام ما يقرب من ثلاث سنوات على أجزاء واسعة من منطقة ميناكا، التي يستخدمها كنقطة انطلاق للأنشطة في النيجر وبوركينا فاسو.
وفي النيجر، قُتل 39 شخصا في هجومين منفصلين في ديسمبر في المنطقة الغربية بالقرب من الحدود مع بوركينا فاسو.
أفريقيا أرض خصبة لأنشطة الإرهاب
لقد أحدث صعود تنظيم السريع- وخاصة في سوريا والعراق- قبل عقد من الزمان ضجة هائلة في العالم بعد تأسيس خلافته، التي تضم عشرات الآلاف من المقاتلين وتتمتع بالقدرة على شن عمليات إرهابية كبرى في أوروبا، ومع تفكيك الخلافة ونفوذها في الشرق الأوسط، أصبحت أفريقيا أرضا خصبة جديدة لنمو تنظيم داعش.
وقالت بيفرلى أوتشينج، كبير المحللين للشئون الأفريقية للدول الناطقة بالفرنسية في شركة الاستشارات العالمية المتخصصة في المخاطر “كونترول ريسكس”، ومقرها داكار: “لقد روج تنظيم داعش في الأشهر الأخيرة لأفريقيا باعتبارها الوجهة المفضلة للأنشطة والتواجد”.
وتابعت :”إن داعش تتمتع بموطئ قدم قوى فى افريقيا، وتمول عمليات في مختلف أنحاء أفريقيا، وتشكل جنوب شرق النيجر وشمال الكاميرون وشمال شرق وغرب تشاد ما يسمى بمقاطعة غرب أفريقيا، وتشكل غرب النيجر وشمال مالي وشمال بوركينا فاسو مقاطعة الساحل”.
وتضيف أن “التنظيم نجح في الحفاظ على سيطرته الإقليمية في هذه المناطق، بما في ذلك جمع الضرائب من السكان، والانخراط في حروب إقليمية مع منافسيه من تنظيم القاعدة، وإنشاء مناطق ذات نفوذ اقتصادي وسياسي”.
ويستضيف فرع غرب أفريقيا للتنظيم، وولاية الصومال مكاتب إقليمية للتنظيم تشرف على فروع أفريقية أخرى وتنسق التمويل والتوجيهات وغير ذلك من الدعم بين أفراد التنظيم في المسارح المحلية، وشبكة داعش العالمية، والقيادة المركزية للتنظيم، وفقًا لليام كار، محلل أمني وقائد فريق أفريقيا للتهديدات الحرجة، وهو مشروع لمعهد أميركان إنتربرايز.
وأضاف كار أن ” الأمم المتحدة والولايات المتحدة أكدتا أن المكتب الإقليمي لداعش في الصومال قام بتحويل أموال إلى ولاية خراسان التابعة لداعش، والتي يتمركز تنظيم داعش في أفغانستان وهي طليعة التخطيط لهجمات خارجية لداعش”.
وبحسب مؤشر الإرهاب العالمي 2024، انتقل مركز الإرهاب من الشرق الأوسط إلى منطقة الساحل الأوسط في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والتي تمثل الآن أكثر من نصف جميع الوفيات الناجمة عن الإرهاب، ويقول التقرير إن أربع دول من بين الدول العشر الأكثر تضررا بالعنف الإرهابي في عام 2023 تقع في المنطقة: بوركينا فاسو فى المركز الأول، ومالي فى المركز الثالث، ونيجيريا فى المركز الثامن، والنيجر فى المركز العاشر.
وتشير خريطة نشاط تنظيم داعش في جميع أنحاء العالم التي أعدها آرون زيلين، الباحث في معهد واشنطن، إلى أن فروع التنظيم في أفريقيا كانت مسؤولة عن ما يقرب من 70% من جميع الهجمات التي أعلن التنظيم مسؤوليته عنها في عام 2024، و64% من جميع الضحايا الذين أعلن التنظيم مسئوليته عنهم.
ويشير محلل الأمن تومي أولاديبو إلى أن الحوادث التي يشارك فيها مقاتلو داعش لا تحظى باهتمام وسائل الإعلام الدولية لأنها تقع غالبًا في أماكن نائية في أفريقيا وقد لا تؤدي دائمًا إلى خسائر بشرية ضخمة، ويضيف أن تأثيرها التراكمي كبير.
لماذا تُعتبر أفريقيا مثالية لتنظيم داعش؟
قال ليام كار : “استغل تنظيم داعش ضعف الدول وسوء الإدارة في أفريقيا لإنشاء فروع متنامية تسيطر على الأراضي وتدعم شبكة تنظيم داعش العالمي وتعزز روايات الدعاية الخاصة به”.
ويقول كار: “تواجه العديد من الدول الأفريقية تحديات خطيرة في مجال الحكم، بما في ذلك العنف العرقي المستمر، المؤسسات الأمنية الضعيفة، وقد استغلت فروع داعش الأفريقية هذه الفجوات لترسيخ وجودها في المناطق غير الخاضعة للحكم واستغلال المظالم المحلية لاستقطاب السكان المحليين”.
ويرى أولاديبو أن تكرار الهجمات يعكس قدرة داعش على الصمود والتكيف في هذه المناطق، حيث يستغل مجموعة من العوامل، بما في ذلك الفقر والحدود غير المحكمة وضعف إنفاذ القانون.
آلة الدعاية لداعش في أفريقيا
وأكد كار إن فروع داعش الأفريقية مجتمعة أعلنت عن عدد من الهجمات كل عام أكثر من جميع ولايات داعش الأخرى مجتمعة منذ عام 2023.
وكشفت بيفرلى أوتشينج إنه بين منتصف ديسمبر 2024 وأوائل يناير، أظهرت دعاية داعش وجود مقاتلين أجانب في نيجيريا ومنطقة الساحل، وتشير إلى أن هذا يوضح مدى صدى دعايتها محليًا وكذلك نطاقها العالمي الذي يمكن أن يؤثر على المسلحين المنفردين أو حتى المجموعات للانضمام إلى صفوفها في معاقلها الراسخة، وخاصة في غرب إفريقيا.
وتضيف: “كانت الدعاية مصممة بشكل كبير لتناسب وسائل التواصل الاجتماعي وجيل ناشئ من مستخدمي الإنترنت”.