ندرة ببغداد ووفرة في كوردستان.. تماثيل النساء العراقيات تترنح بين تخليد وتقصير (صور)

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

شفق نيوز/ تعد التماثيل والنصب التذكارية التي تعرض في المتاحف والساحات العامة، رموزا تخليدية للمبدعين والمناضلين، حيث تحرص الأمم والشعوب دائما على الاحتفاء برموزها على مر العصور، ولا سيما من النساء اللواتي وضعن بصمتهن في صفحات التاريخ.

ويحفل العراق بالعديد من الشخصيات النسائية التي ثبت حضورها العالمي في ميادين العلم والأدب وشتى المعارف، لكن ثمة القليل من النصب والتماثيل تنتشر في شوارع وساحات العاصمة بغداد، ومنها تمثال الشاعرة نازك الملائكة بشارع المتنبي، وتمثال شهرزاد في ساحة كهرمانة، إضافة الى نصب تذكاري للمعمارية زها حديد.

وانشأ رئيس شبكة الاعلام العراقي الأسبق مجاهد ابو الهيل حديقة الرواد داخل الشبكة وضمت نصبا لفكتوريا نعمان، وهي أول مذيعة عراقية، والمطربة زهور حسين، والمعمارية زها حديد، والأخير من أعمال النحات حسنين جهاد.

ووفقا لـ”أبو الهيل”، فالعقلية الذكورية وراء تغييب النساء المبدعات وعدم تكريمهن وتقديمهن في المحافل الدولية كنموذج معرفي وإنساني.

“لاتفكر المرأة المعاصرة”، يواصل أبو الهيل في حديثه لوكالة شفق نيوز، “باستعادة تجارب ومواقف النساء السابقات قدر اهتمامها بتطوير ذاتها وفرض وجودها”.

ويضيف أنه “حين فكرت بإنشاء حديقة الرواد داخل مقر الشبكة وإقامة نصب تذكارية لهم ومنهم نساء تركن بصمتهن في الساحة العراقية، وطلبت أن يقام نصب لأول مذيعة عراقية وليس لأول مذيع، وحرصت على أن تضم الحديقة نساء كانت لهن سمات إبداعية متميزة في الثقافة والفن والادب والاعلام”.

ويشير إلى أن “العقلية الذكورية غيّبت الكثير من نساء كان يجدر أن يخلدن بتماثيل ونصب في الساحات العامة باعتبارهن جزءاً حيويا من هوية العراق وتاريخه”.

وبالقياس لانتشار النصب والتماثيل الذكورية ليست هناك من حصة للنساء باستثناء أعداد قليلة تقتصر على تمثال واحد فقط في بعض المحافظات بينما لا توجد أية تماثيل نسائية في عدد آخر من المحافظات.

وفي محافظة البصرة هناك تمثال لسيدة كانت تعمل مدرسة، تعرضت لحادث انفجار سيارة مفخخة كان قريباً منها حين كانت تقود سيارتها في عام 2016 واشتعلت بها النار وأحرقت ثيابها فأخذها الحياء ولم تغادر السيارة حتى قضت احتراقاً، فأطلق الناس عليها شهيدة العفة والشرف وأقيم لها تمثال يخلد موقفها بساحة الطيران وسط البصرة.

وثمة تمثال يمثل المرأة السومرية في ذي قار وآخر للمرأة الميسانية، فضلا عن تمثال “أم سوادي” الذي تم إنشاؤه عام 2000 بمحافظة الديوانية تكريما للمرأة الفراتية، ويبلغ ارتفاعه 23 متراً ويعد أكبر تمثال في المحافظة، شيده النحات رمزي كاظم.

بيد أن النصب التذكارية على قلتها في المحافظات لكنها تثير جدلا بين الأوساط الاجتماعية، وهي بين مؤيد ومعارض.

ويقول الأكاديمي في جامعة ذي قار محمد حريب إن تمثال المرأة السومرية أثار جدلاً في المحافظة، وهناك من يطالب برفعه. 

ووفق حريب ثمة تحفظات دينية واجتماعية على إقامة النصب والتماثيل وخاصة النسوية منها في المحافظة.

ويؤكد لوكالة شفق نيوز، أن “الشعوب طالما خلدت شخصيات إبداعية ونضالية واحتفظت وخلدت المواقف الإنسانية والوطنية للجنسين، لكننا في العراق مازلنا نعاني انقسام الآراء بهذا الخصوص، وقد يتجاوز الخلاف الآراء ليصل الى مستوى العنف، خاصة خلال الاحتفالات والمراسيم الدينية، وهذا ما تخشاه الإدارة المحلية في المحافظة وتحذر منه”.

ويتابع، أن “تمثال المرأة السومرية لا يمثل العهد الجديد للعراق ولا يمجد مواقف نساء معاصرات في النضال خلال عهد النظام السابق، بل هو مجرد إحالة إلى حقبة قديمة، وبدورنا نتساءل عن سبب إغفال النساء المعاصرات والمبدعات في المدينة وعدم الالتفات لهن”.

ويشير إلى أنه “ثمة تجربة أخرى أكثر قسوة، وهي أنه لا يطلق اسم مبدع من الأحياء على الشوارع والساحات، ولا تقام النصب والتماثيل للمبدعين إلا بعد موتهم، وهذه مشكلة يجب أن تلتفت اليها الجهات المسؤولة في المحافظة، وأن يتبنى الفنانون والنحاتون أعمالاً جدارية ومنحوتات تمجد المبدعين في المحافظة من دون تمييز للجنس”.

وتعلل وزارة الثقافة شح النصب والتماثيل الى قلة التخصيصات المالية، حيث يقول المتحدث باسم الوزارة احمد العلياوي، إن “عمل التماثيل يحتاج إلى كلف مالية كبيرة لا طاقة للوزارة بها”. 

ويشير في حديثه لوكالة شفق نيوز إلى “عدم وجود إحصائية بعدد التماثيل والنصب في العراق، غير أن معنيين أكدوا وجود 41 تمثالا في العاصمة بغداد، ليس بينهم من النساء إلا عدد لا يتجاوز أصابع الكف الواحدة”. 

غير أن الأمر يختلف في اقليم كوردستان، فالنساء هناك أوفر حظاً من هذه الناحية من نساء وسط وجنوب العراق.

وهناك 120 تمثالاً لمرأة كوردية مشهورة أقيمت داخل سوق واحد هو “داون تاون” في أربيل، الذي يعد أحد الأسواق العصرية في المحافظة، ويتميز السوق بوجود عدد كبير من تماثيل النساء ساهم بإنشائها 40 نحاتاً.

أما تمثال “المرأة رمز السلام والحياة” الذي يقع مقابل مطار اربيل والذي أزيح الستار عنه العام 2019 ضمن مراسم خاصة.

والتمثال مصنوع من مادة الفايبر كلاس التي تتحمل أقسى الظروف الجوية، وتم طليه باللون الأبيض الذي يدل على النقاء والصفاء.

ويُجسِّد التمثال فتاة تحمل بيدها اليسرى جرة مليئة بالماء للتعبير عن استمرار الحياة، فيما تم توجيه التمثال إلى الشرق بما يعني أن المرأة دائماً تنظر إلى الأفق والمستقبل.

ويقول أحمد الذهبي، الباحث في الشأن الاجتماعي، إن “المجتمع لايعطي للمرأة حقها فهل هو تقصير من وزارة الثقافة عندما نتحدث عن المرأة تبدع وتنجز وتستحق ان يصنع لها تمثالا أو معلما حضاريا؟”. 

ويتابع الذهبي: “تعتبر المرأة العراقية في كل أحوالها الحياتية والعلمية والثقافية نموذجا مشرقاً للأبداع في كل نواحي الحياة للإبداع والقدرة على الابتكار وإيجاد الحلول للمشكلات”. 

ويضيف الذهبي، أن “الانفتاح والمكانة التي تتمتع بها المرأة الكوردية وتقبل المجتمع لها بوصفها إنساناً، جعل الجهات الفنية والرسمية في الإقليم تقيم أعداداً كبيرة من التماثيل لنساء دافعن عن القضية الكوردية، ومنهن مبدعات في الشعر والادب، وتخليدهن يعني وضعهن في الإطار الطبيعي لمسار الأمور”.

وقبل فترة دشنت مدينة سنجار تمثال “الأم كولي” وهي الأم الايزيدية التي تصدت لمجرمي داعش والتي حاول سبيها مع طفلها وعدد من النساء وقتلت أميراً في التنظيم المتشدد. 

ويؤكد الذهبي، لوكالة شفق نيوز، أن “هناك تقصيراً في وضع التماثيل للمرأة العراقية المبدعة المنجزة يجب أن تكون هناك نظرة للمرأة تعكس ثقافة مجتمع متطور يضع كل من تستحق في خانه الخلود عبر اقامة التماثيل والنصب لهن”.

فيما يحاول نحاتون إبراء ساحتهم عن التقصير في إنتاج تماثيل تخلد النساء بعدم تكليفهم وتمويلهم من اي جهة رسمية. 

ويقول النحات والرسام حسن عبد الرزاق، ان انتاج التمثال بحاجة إلى زمن ومواد ومبالغ كبيرة.

ويؤكد في حديثه للوكالة، أن “من غير المعقول أن يصرف النحات اموالاً طائلة على إنتاج تمثال دون تكليف من جهة، لأن التمثال سيبقى مجرد تحفة تزين المكان وليس غير”.

ويواصل: “أكثر من مرة تقدمنا الى الجهات المعنية لإقامة بعض نصب تذكارية لمبدعات ايماناً منا بدور الفن في تخليد الأثر الإنساني، لكننا لم نتلقَ الرد الايجابي”.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً