شفق نيوز/ يؤكد دبلوماسي إيراني سابق، أن استئناف الرئيس الأمريكي، دونالد
ترامب، حملة “الضغط الأقصى” على بلاده، ليست بالأمر الجديد بل هي امتداد
لعقوبات وحصار منذ 45 عاماً، ونجحت طهران إلى حد كبير بالالتفاف على الكثير من هذه
العقوبات، أما فيما يخص “خفض صادرات النفط الإيراني إلى الصفر”، فهذا من
“المستحيل”، على حد تعبيره، لأن عمليات البيع “تتم بصورة سرية عبر شركات
وهمية”، في وقت هناك دول لا تلتزم بالعقوبات الأمريكية وعلى رأسها روسيا والصين.
فيما يرى مراقبون أن العقوبات الأمريكية على إيران لن تقتصر عليها فقط،
بل ستؤثر على الدول المجاورة بما فيها العراق الذي يعد أحد أهم البوابات الاقتصادية
لإيران، لكن قد تكون تلك العقوبات الهدف منها دفع إيران للذهاب إلى طاولة المفاوضات
أكثر منها رغبة في تأزيم الموقف لأن تداعياتها الإقليمية وحتى تنفيذها من قبل دول الإقليم
ليست بالأمر السهل.
وآخر تلك العقوبات، إلغاء ترامب، يوم الأربعاء، الإعفاء الممنوح للعراق
لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، وذلك ضمن حزمة العقوبات الجديدة على طهران.
وتضمنت المذكرة التي وقعها ترامب، والتي تهدف الى ممارسة أقصى الضغوط
ضد إيران، “اتخاذ خطوات فورية، بالتنسيق مع وزير الخزانة والوكالات الأخرى ذات
الصلة، لضمان عدم استخدام النظام المالي العراقي من قبل إيران للتهرب من العقوبات أو
التحايل عليها، وعدم استخدام دول الخليج كنقاط شحن للتهرب من العقوبات”.
ويعتمد العراق منذ سنوات طويلة، على استيراد الكهرباء والغاز من إيران،
وخاصة في ذروة فصل الصيف، ويعتمد بهذا على الإعفاءات الأمريكية المستمرة، والتي تصدر
أكثر من مرة خلال كل عام.
وكان ترامب قد وقع، مساء أمس الثلاثاء، على مرسوم رئاسي يقضي بإعادة فرض
سياسة “أقصى الضغوط” على إيران، وأوضح أن إيران قريبة جداً من امتلاك سلاح
نووي وأن الولايات المتحدة لديها الحق في منع بيع النفط الإيراني إلى دول أخرى.
وينص المرسوم الرئاسي على توجيه وزارة الخزانة الأمريكية بفرض “أقصى
قدر من الضغط الاقتصادي” على إيران من خلال العقوبات المصممة لشل صادرات النفط
في البلاد، كما وجه في مذكرته وزارتي الخزانة والخارجية بتنفيذ حملة “تهدف إلى
خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر”.
التفاف على العقوبات عبر “شركات وهمية”
وتعليقاً على ذلك، يقول الدبلوماسي الإيراني السابق، سيد هادي سيد أفقهي،
إن “تصريحات ترامب المتعلقة بإيران ليست بالجديدة فمنذ 45 عاماً وهناك تهديدات
وعقوبات أمريكية وحصار وحروب بالإنابة، وهذه ألفتها إيران وتعلمت كيف تتعامل معها،
خاصة في الفترة الرئاسية الأولى لترامب، حيث واجهت إيران (عقوبات قاسية) كما كان يعبر
عنها ترامب، ونجحت طهران إلى حد كبير بالالتفاف على الكثير من هذه العقوبات”.
ويضيف أفقهي لوكالة شفق نيوز، “كما أن إيران سعت إلى إيجاد فرص بديلة
للتعويض عن الخسائر، على سبيل المثال في عضوية إيران بمجموعة (بريكس) الاقتصادية العابرة
للقارات، ومجموعة (شنغهاي) الأمنية الاقتصادية وكذلك في سوق (أوراسيا) وتفعيل منظمة
(إيكو) الاقتصادية التي أسستها إيران في زمن الشاه بمشاركة باكستانية وتركية”.
ويتابع، “لذلك تهديدات ترامب لا نأخذها على محمل الجد، لكن نتعامل
معها في حال قرر تفعيلها وفرض عقوبات كما وعد بحرمان إيران من بيع النفط وإيصال بيع
النفط الإيراني إلى نقطة الصفر، وهذا من المستحيلات، لأن هناك دولا لا تلتزم بالعقوبات
والتهديدات الأمريكية، وعلى رأسها روسيا والصين”.
ويبين أفقهي، أن “الصين هي الزبون الأول لشراء النفط الإيراني، وكذلك
الكثير من الدول تشتري النفط الإيراني بصورة سرية بعيداً عن الأعين الأمريكية، من خلال
شركات وهمية”.
لقاء ترامب مع بزشكيان “خط أحمر”
وعن إعلان ترامب استعداده للاجتماع مع نظيره الإيراني، مسعود بزشكيان،
قال الدبلوماسي الإيراني السابق، إن “حديث ترامب عن إمكانية بداية مفاوضات بين
إيران وأمريكا وقد ترتقي لمستوى القمة بين ترامب وبزشكيان، هو من السخرية، لأن هناك
خطاً أحمر التزمت به إيران سواء في زمن الخميني أو في زمن الخامنئي الذي يعتبر التفاوض
مع أمريكا خيانة وطنية وخطا أحمر، وقال إن (من يروج لدعم أمريكا في الداخل سيسحقه الشعب
الإيراني)”.
ويستدرك أفقهي، “لكن هناك خطاً يميل إلى الإصلاحيين يرغب بهذه المفاوضات
ويرى أن بحل المشكلة بين إيران وأمريكا سترفع العقوبات، لكن هذا غير صحيح، لأن إيران
اختبرت على مدى 45 عاماً كل رؤساء أمريكا سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين، لذلك
حديث اللقاء بين ترامب وبزشكيان عبارة عن جس نبض”.
وينوه، إلى أن “هذا لا يمنع من فتح باب غير مباشر للتفاوض مع أمريكا
بما يتعلق بالملف النووي فقط، وبشروط إيرانية، وليس وفق شروط ترامب الذي يحرّم استخدام
إيران للتقنية النووية السلمية ويرغب بإيقاف عملية التخصيب لمنع التقنية النووية التي
لها فوائد كثيرة في مجالات متنوعة منها علمية وطبية وزراعية وصناعية وغير ذلك”
وسعت سياسة الضغط الأقصى التي اتبعها ترامب سابقاً إلى فرض عقوبات قوية
لخنق الاقتصاد الإيراني وإجبار البلاد على التفاوض على اتفاق من شأنه عرقلة برامجها
النووية والصاروخية.
ودفع ترامب صادرات النفط الإيرانية إلى ما يقرب من الصفر خلال فترة من
ولايته الأولى بعد إعادة فرض العقوبات، لكنها ارتفعت مجدداً في عهد بايدن إذ نجحت إيران
في الالتفاف على العقوبات.
واتهم ترامب سلفه المنتمي للحزب الديمقراطي جو بايدن بعدم فرض عقوبات
صارمة على تصدير النفط الإيراني، ويقول ترامب إن هذا الأمر شجع طهران وسمح لها ببيع
النفط لتمويل برنامج الأسلحة النووية والجماعات المسلحة في الشرق الأوسط.
يذكر أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي،
كان قد أكد، في كانون الأول/ديسمبر 2024، أن إيران تسرّع عمليات تخصيب اليورانيوم إلى
درجة نقاء تصل إلى 60%، وهو ما يقترب من المستوى اللازم لصنع الأسلحة النووية والبالغ
90% تقريباً، حسب ما نقلت رويترز. فيما نفت طهران رغبتها في تصنيع سلاح نووي أكثر من
مرة.
علماً أن الدول الغربية الموقعة على الاتفاق النووي الذي أبرم عام
2015، ستفقد القدرة على اتخاذ ذلك الإجراء في 18 تشرين الأول/أكتوبر عندما ينتهي سريان
قرار أصدرته الأمم المتحدة في 2015، رُفعت بموجبه العقوبات على طهران مقابل فرض قيود
على برنامجها النووي.
تأثيرات سلبية على العراق
من جهته، يرى المحلل السياسي، عباس الجبوري، أن “فرض الحصار الاقتصادي
على إيران سيؤثر على الدول المجاورة بما فيها العراق الذي يشترك معها بحدود طولها
1450 كم، وتبادل تجاري يتجاوز 13 مليار دولار سنوياً، وهذه سوف تتأثر حال توتر العلاقات
الإيرانية – الأمريكية”.
ويضيف الجبوري لوكالة شفق نيوز، أن “العراق يستورد الغاز من إيران
وكان بموافقة أمريكية، وعند تسديد العراق المبالغ الخاصة بالغاز كانت لا تسمح أمريكا
بذلك، باعتبار أن الأموال العراقية تذهب إلى البنك الفيدرالي الأمريكي، لذلك في الوقت
الذي كانت تسمح به للعراق باستيراد الغاز الإيراني لا تسمح بتسديد أمواله، وفي هذه
الحالة العراق يتأثر سلباً، لأن الشركات الإيرانية تطالب بمبالغ الغاز وهذا من حقها،
لكن تعنت الإدارة الأمريكية واستيلائها على الموارد العراقية من خلال البند السابع
وذهاب الأموال العراقية إلى البنك الفيدرالي، أثر سلباً على وضع العراق”.
وفيما يخص الحوار بين طهران وواشنطن، يرى الجبوري، أن “أمريكا عندما
تريد فتح حوار مع إيران يجب أن يكون هذا الحوار فيه نوع من الكرامة والحكمة وليس حوار
الإذلال، لأن الدول مستقلة ولها قيم ومبادئ، ولهذا ينبغي أن يكون الحوار ضمن السياقات
الدبلوماسية”.
العقوبات ورقة للجلوس على طاولة المفاوضات
من جانبه، يوضح المحلل السياسي الأردني والباحث في العلاقات الدولية،
حازم عياد، أن “الهدف من العقوبات الأمريكية هو تأزيم الوضع الاقتصادي الداخلي
الإيراني، من خلال غلق الأبواب التي يتنفس منها الاقتصاد الإيراني سواء من العراق والاستثناءات
التي كانت مقدمة له، أو عبر العلاقات الاقتصادية التي تمارسها إيران مع عدد من الشركات
في الهند وآسيا وأنحاء مختلفة من العالم”.
ويؤكد عياد لوكالة شفق نيوز، أن “العراق يعد أحد أهم البوابات الاقتصادية
لإيران، لذلك لن يقتصر تأثير هذه العقوبات على إيران بل يمتد إلى الإقليم والدول التي
تملك علاقات اقتصادية قوية مع إيران وبشكل خاص العراق، ما سيؤثر على أسعار النفط وهذا
استدعى من الإدارة الأمريكية الضغط على السعودية لخفض أسعار النفط وضخ كميات أكبر في
السوق العالمية من أجل الضغط على إيران وسد الفجوة الناجمة عن إخراجها من السوق، وكذلك
الضغط على روسيا”.
ويتابع، “لذلك هناك ترابط فيما يتعلق بالملف الاقتصادي، وهذه العقوبات
لن تنجح دون ممارسة ضغوط على الدول المحيطة بإيران وحتى الدول النفطية لسد الفجوة،
وبالتالي سيكون لهذه العقوبات ارتدادات في الإقليم”.
ويستدرك عياد قائلاً، “لكن اعتقد أن ورقة العقوبات التي يتخذها ترامب
الهدف منها دفع إيران للذهاب إلى طاولة المفاوضات أكثر منها رغبة في تأزيم الموقف لأن
تداعياتها الإقليمية ليست بالسهلة على الدول، حيث إن ترامب يريد من إيران الجلوس على
طاولة المفاوضات وتكون هذه الورقة للتلويح خلال المفاوضات”.
ويضيف، “يعزز هذا إعلان ترامب رغبته بلقاء الرئيس الإيراني في المرحلة
المقبلة، ما يدل على أنها ورقة تفاوضية أكثر منها ورقة ترغب إدارة ترامب بتفعيلها،
لأن لها كلفا كبيرة وتحتاج إلى تعاون دول الإقليم مثل العراق والهند وكذلك دول أوبك،
وأوبك بلص التي تمتلك السعودية والإمارات حصة ومكانة مهمة فيها، وهذه الدول لا ترغب
أن تكون جزءاً من هذه السياسة الأمريكية في المرحلة المقبلة، لذلك ليس من السهل على
أميركا أن تمضي قدماً في هذه السياسة بل هي ورقة للجلوس على طاولة المفاوضات”،
وفق تحليله.