2025-02-07T09:03:43+00:00
شفق نيوز/ بين صمود التاريخ وتقلبات الزمن، تقف زقورة عكركوف/عقرقوف شاهدة
على براعة الحضارة السومرية وعظمة وادي الرافدين، فمنذ أكثر من 3400 عام، ارتفعت
هذه التحفة المعمارية شامخة في قلب العراق، تحكي قصص الملوك والآلهة والتجار الذين
مروا بها، لكنها اليوم تواجه خطر التآكل بفعل التغيرات المناخية والإهمال.
تقلصت “التحفة المعمارية”، من ارتفاع بلغ 71 متراً في أوج مجدها،
إلى 57 متراً فقط كما هو الحال الآن، وسط تحذيرات الخبراء من انهيارات مستقبلية إن
لم تُتخذ تدابير عاجلة للحفاظ عليها.
وتقع الزقورة في منطقة أبو غريب بالعاصمة بغداد، ويعود تاريخ تأسيسها إلى
القرن الرابع عشر قبل الميلاد، حيث كانت تعد عاصمة للكيشيين حتى فقدت أهميتها
بسقوط تلك السلالة.
تأثير “الزمن والمناخ“
وأشار الباحثون، إلى أن “بغداد كانت إحدى مدن جنوب بلاد وادي
الرافدين، وتقع الزقورة تحديداً قرب التقاء نهري دجلة وديالى، على بعد 30
كيلومتراً غرب مركز بغداد وخلال القرن الماضي غمرتها المياه، ما أدى إلى تحطم
أجزاء منها”.
ووفقًا للمنقب الأثري جنيد عامر حميد، كانت الزقورة مركزاً تجارياً لعدة
قرون، تمر بها قوافل الإبل والتجارة عبر الطرق القديمة.
وأضاف في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن “موقع زقورة عقرقوف جعلها وجهة
مفضلة للنزهة بالنسبة للعوائل البغدادية، خاصة أيام الجمع والعطل الرسمية”.
وتابع حميد، قائلاً “تم بناء متحف صغير قرب الزقورة في العام 1960
لتقديم الخدمات للزوار والسائحين، وهو مهمل حالياً، في حين كان قرب موقعها من
العاصمة سبباً في جعلها أكثر اماكن العراق التراثية شهرة في ذاك الوقت”.
زار الزقورة لأول مرة العام 1837 عالم الآثار فرانسيس راودون تشيسيني،
بينما أجريت عمليات حفر وتنقيب بين عامي 1942 و1945 بقيادة الباحث العراقي طه باقر
والباحث البريطاني سيتون لويد، ضمن تعاون بين مديرية الآثار العامة العراقية
والمدرسة البريطانية للآثار. وأسفرت تلك التنقيبات عن اكتشاف أكثر من 100 لوح
مكتوب بالخط المسماري.
وفي عام 1970، تم تنفيذ مشروع إعادة بناء شمل الزقورة والمعابد والمباني
العامة والتل الأبيض، الذي كان يضم قصراً كبيراً، ووفقًا لحميد، كانت الزقورة
تتألف من طبقات من حصير القصب الذي يعزز هيكلها ويمنعها من الانهيار، كما عثر
علماء الآثار العراقيون على مواقع أثرية أخرى قريبة، مثل تل أبو شجر.
تفاصيل البناء وأساليب الحماية
تتميز قلعة عقرقوف ببناء متقن، إذ تحتوي على طبقات متراصة من حصير القصب،
وتضم بين كل 8 أو 9 لبنات ثقوباً كبيرة تساعد في التخلص من الرطوبة وحماية البناء
من العوامل الجوية.
ورغم قيمتها التاريخية، تعاني الزقورة الآن من الإهمال ونقص الخدمات، ما
أدى إلى تراجع أعداد السائحين.
في هذا
السياق، قالت السائحة الفلسطينية لما الحوراني صاحبة الـ 65 عاماً، إنها زارت
العديد من المواقع العراقية خلال رحلتها، لكن زقورة عقرقوف لفتت انتباهها بطرق
بنائها الفريدة.
وأشارت الحوراني، خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، إلى أن “عمليات
التحديث والترميم ربما لم تحافظ على طابع الزقورة الأصلي بشكل كامل”، مؤكدة
أن “الحضارة العراقية واحدة من أقدم الحضارات في العالم، وتعكس قدرة الإنسان
على الابتكار والتطور المعماري”.
وبينت الحوراني، أن “زقورة عقرقوف لا تختلف كثيراً عن زقورة أور
الشهيرة، إذ إن كلاهما يمثلان تكاملاً معمارياً مذهلاً، لكنها انتقدت الإهمال الذي
تعاني منه بعض المواقع الأثرية العراقية”.
وأوضحت السائحة الفلسطينية، أن “عدم الاهتمام بالمواقع التراثية يعد
إساءة إلى تاريخ العراق القديم وإرثه الإنساني”، كما شددت على “أهمية
تطوير البنية التحتية حول الزقورة، مثل بناء فنادق، منتجعات، مطاعم وأسواق”.
وختمت حديثها قائلة إن “عدم توفر هذه الخدمات يجعل من الصعب جذب
السياح إلى مواقع تاريخية معزولة في عمق الصحراء”.
مخاطر بيئية وزحف عمراني
على مدى أكثر من 3440 عاماً، ظلت زقورة عقرقوف صامدة، لكنها اليوم تواجه
تهديدات بيئية وزحفاً عمرانياً قد يزيد من تآكلها.
وفي هذا الصدد، أكد خبير الآثار عامر عبد الرزاق، خلال حديثه لوكالة شفق
نيوز، أن “الآثار العراقية تشكل جزءاً أساسياً من هوية البلاد”، معرباً
عن “قلقه إزاء عدم الاهتمام الكافي بحماية هذه المواقع”.
وأضاف عبد الرزاق، أن “التغيرات المناخية أثرت على جميع المواقع
الأثرية في العراق، لا سيما تلك المبنية من اللبن والطين المفخور، إذ إن هذه
المواد أكثر عرضة للتلف مقارنة بالأحجار الصلدة”.
ولفت إلى أن “الأمطار والرطوبة والجفاف تسببت في تآكل ارتفاع الزقورة،
الذي انخفض من 72 متراً إلى 52 متراً، وسط مخاوف من مزيد من التآكل في السنوات
القادمة”.
ويقترح عبد الرزاق، إنشاء سقيفة عملاقة أو صندوق زجاجي لحماية الزقورة من
تأثيرات الطقس والعوامل البيئية.
خطط ترميم لم تكتمل بعد
في عام 2008، وضع مسؤولون خططاً لإعادة تأهيل الزقورة، وفي عام 2013، نفذت
المديرية العامة للآثار عمليات صيانة ضمن مشروع “بغداد عاصمة الثقافة العربية”.
ومع ذلك، لم تشهد الزقورة منذ ذلك الحين أي مشاريع ترميم جديدة، ما يترك
هذا الأثر التاريخي الفريد عرضة لمزيد من التدهور.
وتمثل زقورة عقرقوف تحفة معمارية تعكس عظمة الحضارات القديمة التي قامت في
بلاد الرافدين، لكنها اليوم تواجه خطر التآكل والتدمير بسبب العوامل
المناخية والإهمال.